كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



500- الحَدِيث الْحَادِي عشر:
رُوِيَ أَنه لما طلعت قُرَيْش يَوْم بدر قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِه قُرَيْش جَاءَت بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرهَا يكذبُون رَسُوله اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مَا وَعَدتنِي» فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ خُذ قَبْضَة من تُرَاب فَارْمِهِمْ بهَا فَقَالَ لما التقَى الْجَمْعَانِ لعَلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَعْطِنِي قَبْضَة من حَصْبَاء الْوَادي فَرَمَى بهَا فِي وُجُوههم وَقَالَ: «شَاهَت الْوُجُوه» فَلم يبْق مُشْرك إِلَّا شغل بِعَيْنيهِ فَانْهَزَمُوا وردفهم الْمُؤْمِنُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ.
قلت رَوَاهُ الطَّبَرِيّ حَدثنَا عبد الْوَارِث بن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث ثَنَا أبي ثَنَا أبان الْعَطَّار ثَنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة قَالَ لما ورد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا فَوجدَ الْمُشْركُونَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد سبقهمْ إِلَيْهِ فَلَمَّا طلعوا عَلَيْهِ زَعَمُوا أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَذِه قُرَيْش قد جَاءَت بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرهَا تُحَادك وَتكذب رَسُولك اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مَا وَعَدتنِي فَلَمَّا أَقبلُوا اسْتَقْبَلَهُمْ فَحَثَا فِي وُجُوههم فَهَزَمَهُمْ الله تَعَالَى» انْتَهَى.
وَفِي سيرة ابْن هِشَام فِي غَزْوَة بدر الْكُبْرَى قَالَ ابْن إِسْحَاق وَارْتَحَلت قُرَيْش حِين أَصبَحت فَلَمَّا أَقبلت وَرَآهَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصوب من الْعَقَنْقَل وَهُوَ الْكَثِيب الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ إِلَى الْوَادي قَالَ: «اللَّهُمَّ هَذِه قُرَيْش قد أَقبلت بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرهَا تُحَادك وَتكذب رَسُولك اللَّهُمَّ فَنَصرك الَّذِي وَعَدتنِي...» إِلَى أَن قَالَ بعد ذَلِك بِنَحْوِ ورقة قَالَ ابْن إِسْحَاق ثمَّ إِن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخذ حفْنَة من حَصْبَاء فَاسْتقْبل بهَا قُريْشًا ثمَّ قال: {شَاهَت الْوُجُوه} ثمَّ نَفَخَهُمْ بهَا وَأمر أَصْحَابه فَقال: {شدوا} فَكَانَت الْهَزِيمَة فَقتل الله من قتل من صَنَادِيد قُرَيْش وَأسر من أسر من أَشْرَافهم فَلَمَّا وضع الْقَوْم أَيْديهم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ.... الحَدِيث بِطُولِهِ.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ فِي الْمَغَازِي حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزُّبَيْر قَالَ لما رَأَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُريْشًا... فَذكره إِلَى قَوْله: «فَنَصرك الَّذِي وَعَدتنِي» لم يذكر الرَّمية لكنه رَوَى فِيمَا بعد حَدثنِي عَابِد بن يَحْيَى عَن أبي الْحُوَيْرِث عَن عمَارَة بن أكيمَة اللَّيْثِيّ عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ لقد رَأَيْتنَا يَوْم بدر فَذكر الْقِصَّة وَفِي آخرهَا قَالَ فَأخذ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفا من الْحَصَا فَرَمَاهُمْ بهَا وَقَالَ: «شَاهَت الْوُجُوه» فَمَا بَقِي مِنْهُم أحد إِلَّا امْتَلَأَ وَجهه وَعَيناهُ فَانْهَزَمَ أَعدَاء الله والمسلمون يقتلُون وَيَأْسِرُونَ.
قَالَ الطَّيِّبِيّ لم يذكر أحد من أَئِمَّة الحَدِيث هَذِه الرَّمية الَّتِي كَانَت يَوْم بدر ثمَّ ذكر حَدِيث مُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ غزونا مَعَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينا فَلَمَّا وَاجَهنَا الْعَدو.... إِلَى أَن قَالَ فَلَمَّا غشوا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل عَن بغلته ثمَّ قبض قَبْضَة من تُرَاب ثمَّ اسْتقْبل بهَا وُجُوههم وَقَالَ: «شَاهَت الْوُجُوه» وَهَذَا خطأ مِنْهُ إِذْ لَا امْتنَاع أَن يكون النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذَلِك فِي الْيَوْمَيْنِ وَقد قدمنَا رِوَايَة عُرْوَة بن الزُّبَيْر وَابْن إِسْحَاق أَنَّهَا كَانَت يَوْم بدر.
وَرَوَى الطَّبَرِيّ فِي مُعْجَمه حَدثنَا أَحْمد بن بهْرَام الأيذجي ثَنَا مُحَمَّد بن يزِيد الْأَسْفَاطِي ثَنَا إِبْرَاهِيم بن يَحْيَى السَّحَرِيِّ حَدثنِي أبي ثَنَا مُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي عَن عبد الله بن يزِيد مولَى الْأسود بن سُفْيَان عَن أبي بكر بن سُلَيْمَان ابْن أبي خَيْثَمَة عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ لما كَانَ يَوْم بدر أَمر رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأخذ كفا من الْحَصْبَاء فَاسْتقْبلنَا بِهِ فرمانا بهَا وَقَالَ: «شَاهَت الْوُجُوه» فَانْهَزَمْنَا فَأنْزل الله وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رَمَى انْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي صَالح بِهِ فِي تَفْسِيره حَدثنِي الْمثنى ثَنَا أَبُو صَالح ثَنَا مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَلّي بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ رفع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده يَوْم بدر فَقَالَ: «يَا رب إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة فَلَنْ تعبد فِي الأَرْض أبدا» فَأمره جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأخذ قَبْضَة من التُّرَاب فَرَمَى بهَا فِي وُجُوههم فَمَا من الْمُشْركين أحد إِلَّا أصَاب عَيْنَيْهِ وَمنْخرَيْهِ وَفِيه تُرَاب فَوَلوا مُدبرين انْتَهَى.
وَرَوَى أَيْضا حَدثنِي مُحَمَّد بن الْحُسَيْن ثَنَا أَحْمد بن الْمفضل ثَنَا أَسْبَاط عَن السّديّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعَلي يَوْم بدر: «أَعْطِنِي حَصى من الأَرْض» فَنَاوَلَهُ حَصى عَلَيْهِ تُرَاب فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوه الْقَوْم فَلم يبْق مُشْرك إِلَّا دخل فِي عَيْنَيْهِ من ذَلِك التُّرَاب شَيْء ثمَّ رَدفَهُمْ الْمُسلمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَأنزل الله: {فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن الله قَتلهمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رَمَى} انْتَهَى.
فقد ثَبت عَن غير وَاحِد من الْأَئِمَّة أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي يَوْم بدر وَإِن كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذَلِك يَوْم حنين أَيْضا والله أعلم.
501- الحَدِيث الثَّانِي عشر:
رَوَى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر عَلَى بَاب أبي بن كَعْب فناداه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَعجل فِي صلَاته ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: «مَا مَنعك عَن إجَابَتِي» قَالَ كنت أُصَلِّي قَالَ: «ألم تخبر فِيمَا أُوحِي إِلَيّ {اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ}» قَالَ لَا جرم لَا تَدعُونِي إِلَّا أَجَبْتُك.
قلت رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَلَيْسَ فِيهِ لَا جرم لَا تَدعُونِي إِلَّا أَجَبْتُك.
لَكِن رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بِسَنَد التِّرْمِذِيّ وَمَتنه وَزَاد فِي آخِره قَالَ أبي لَا جرم يَا رَسُول الله لَا تَدعُونِي إِلَّا أَجَبْتُك وَإِن كنت أُصَلِّي انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
وَلم يحسن الطَّيِّبِيّ إِذْ عزاهُ للْبُخَارِيّ من حَدِيث أبي سعيد بن الْمُعَلَّى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدِيث الْكتاب.
502- الحَدِيث الثَّالِث عشر:
رَوَى أَن الزُّبَيْر كَانَ يُسَايِر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا إِذْ أقبل عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَضَحِك إِلَيْهِ الزُّبَيْر فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيفَ حبك لعَلي».
فَقَالَ يَا رَسُول الله بِأبي أَنْت وَأمي إِنِّي أحبه كَحبي لوَلَدي أَو أَشد حبا قَالَ: «فَكيف أَنْت إِذا سرت إِلَيْهِ تُقَاتِلهُ».
قلت غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة مَعْنَاهُ وَعقد لَهُ بَابا فَقَالَ بَاب إخْبَاره عَلَيْهِ السَّلَام عَن قتال الزُّبَيْر ثمَّ رَوَى من طَرِيق عبد الرَّزَّاق أَنا معمر عَن قَتَادَة قَالَ لما وَلَّى الزُّبَيْر يَوْم الْجمل بلغ عليا فَقَالَ لَو كَانَ يعلم أَنه عَلَى حق مَا وَلَّى وَذَاكَ أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيهمَا فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة فَقَالَ: «أَتُحِبُّهُ يَا زبير» قَالَ وَمَا يَمْنعنِي قَالَ فَكيف بك إِذا قَاتلته ثمَّ قَالَ هَذَا مُرْسل.
وَقد رَوَى مَوْصُولا من وَجه آخر ثمَّ رُوِيَ من حَدِيث عبد الله بن الْأَجْلَح ثَنَا أبي عَن يزِيد الْفَقِير عَن أَبِيه قَالَ سَمِعت الْمفضل بن فضَالة يحدث أبي عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود الديلِي عَن أَبِيه قَالَ لما دنا عَلّي وَأَصْحَابه من طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَدنت الصُّفُوف بَعْضهَا من بعض خرج عَلّي وَهُوَ عَلَى بغلة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَى ادعوا لي الزُّبَيْر بن الْعَوام فَأقبل حَتَّى اخْتلفت أَعْنَاق دَوَابِّهِمَا فَقَالَ: عَلّي يَا زبير نشدتك بِاللَّه أما تذكر يَوْم مر بِنَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنحن بمَكَان كَذَا وَكَذَا فَقَالَ يَا زبير تحب عليا فَقلت أَلا أحب ابْن خَالَتِي وَابْن عمي وَعَلَى ديني قَالَ: «أما وَالله لَتُقَاتِلنَّهُ وَأَنت ظَالِم» قَالَ بلَى وَالله وَلَكِنِّي نَسِيته انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده ثَنَا يزِيد بن هَارُون ثَنَا شريك بن عبد الله عَن الْأسود بن قيس حَدثنِي من رَأَى الزُّبَيْر يُقَصَّص الْخَيل فَنَوَّهَ بِهِ عَلّي بن أبي طَالب يَا أَبَا عبد الله يَا أَبَا عبد الله قَالَ فَأقبل حَتَّى الْتَقت أَعْنَاق دَوَابِّهِمَا فَقَالَ لَهُ عَلّي أنْشدك الله أَتَذكر يَوْمًا أَتَانَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنا أناجيك فَقَالَ: «أتناجيه وَالله ليقاتلنك وَهُوَ لَك ظَالِم» قَالَ فَضرب الزُّبَيْر وَجه دَابَّته فَانْصَرف انْتَهَى.
503- الحَدِيث الرَّابِع عشر:
رَوَى أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاصر بني قُرَيْظَة إِحْدَى وَعشْرين لَيْلَة فسألوا الصُّلْح كَمَا صَالح إخْوَانهمْ بني النَّضِير عَلَى أَن يَسِيرُوا إِلَى أَذْرُعَات وَأَرِيحَا من أَرض الشَّام فَأَبَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن ينزلُوا إِلَّا عَلَى حكم سعد بن معَاذ فَأَبَوا وَقَالُوا أرسل إِلَيْنَا أَبَا لبَابَة مَرْوَان بن عبد الْمُنْذر وَكَانَ مناصحا لَهُم لِأَن عِيَاله وَمَاله فِي أَيْديهم فَبَعثه إِلَيْهِم فَقَالُوا لَهُ مَا ترَى هَل ننزل عَلَى حكم سعد فَأَشَارَ إِلَى حَلقَة أَنه الذّبْح قَالَ أَبُو لبَابَة فَمَا زَالَت قَدَمَايَ حَتَّى علمت أَنِّي قد خُنْت الله وَرَسُوله فَنزلت فَشد نَفسه عَلَى سَارِيَة من سواري الْمَسْجِد وَقَالَ وَالله لَا أَذُوق طَعَاما وَلَا شرابًا حَتَّى أَمُوت أَو يَتُوب الله عَلّي فَمَكثَ سَبْعَة أَيَّام حَتَّى خر مغشيا عَلَيْهِ ثمَّ تَابَ الله عَلَيْهِ فَقيل لَهُ قد تيب عَلَيْك فَحل نَفسك فَقَالَ لَا وَالله لَا أحلهَا حَتَّى يكون رَسُول الله هُوَ الَّذِي يُحِلنِي فَجَاءَهُ عَلَيْهِ السَّلَام فَحله بِيَدِهِ فَقَالَ إِن من تَمام تَوْبَتِي أَن أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب وَأَن أَنْخَلِع من مَالِي فَقَالَ عَلَيْهِ السلام: «يجْزِيك أَن تَتَصَدَّق من مَالك بِالثُّلثِ».
قلت رَوَاهُ ابْن هِشَام فِي السِّيرَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة كِلَاهُمَا فِي غَزْوَة بني قُرَيْظَة من طَرِيق ابْن إِسْحَاق حَدثنِي وَالِدي إِسْحَاق بن يسَار عَن معبد ابْن كَعْب بن مَالك السّلمِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَهُمْ خمْسا وَعشْرين لَيْلَة يَعْنِي بني قُرَيْظَة... إِلَى أَن أجهدهم الْحصار.... فَذكره بِطُولِهِ إِلَى أَن قَالَ ثمَّ بعثوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يبْعَث إِلَيْنَا أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر نَسْتَشِيرهُ فَأرْسلهُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ يَبْكُونَ فرق لَهُم وَقَالُوا يَا أَبَا لبَابَة أَتَرَى أَن ننزل عَلَى حكم مُحَمَّد فَقَالَ نعم وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حلقه أَنه الذّبْح قَالَ أَبُو لبَابَة فَمَا زَالَت قَدَمَايَ تَرْجِعَانِ حَتَّى عرفت أَنِّي خُنْت الله وَرَسُوله ثمَّ انْطلق أَبُو لبَابَة عَلَى وَجهه وَلم يَأْتِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتبط فِي الْمَسْجِد إِلَى عَمُود من عمده وَقَالَ لَا أَبْرَح مَكَاني هَذَا حَتَّى يَتُوب الله عَلّي مِمَّا صنعت وَعَاهد الله تَعَالَى أَلا يطَأ بني قُرَيْظَة أبدا.
ثمَّ أسْند إِلَى ابْن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي يزِيد بن عبد الله بن قسيط أَن تَوْبَة أبي لبَابَة نزلت عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيت أم سَلمَة فَقَالَت سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السحر وَهُوَ يضْحك فَقلت مَا يضْحك يَا رَسُول الله قَالَ: «تيب عَلَى أبي لبَابَة فَقلت أَلا أُبَشِّرهُ يَا رَسُول الله قَالَ بلَى إِن شِئْت فَقُمْت عَلَى بَاب حُجْرَتي وَذَلِكَ قبل أَن يضْرب علينا الْحجاب وَقلت يَا أَبَا لبَابَة أبشر فقد تَابَ الله عَلَيْك فَثَابَ النَّاس إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَالله حَتَّى يكون رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُطلقنِي بِيَدِهِ فَلَمَّا مر عَلَيْهِ خَارِجا إِلَى صَلَاة الصُّبْح أطلقهُ» انْتَهَى.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب غَزْوَة تَبُوك عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كَانَت بَنو قُرَيْظَة حلفا لأبي لبَابَة فَاطَّلَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى حكم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا أَبَا لبَابَة أَتَأْمُرُنَا أَن ننزل فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حلقه أَنه الذّبْح فَأخْبر عَنهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلبث حينا وَهُوَ عَاتب عَلَيْهِ ثمَّ غزا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكا وَهِي غَزْوَة الْعسرَة فَتخلف عَنهُ أَبُو لبَابَة فِيمَن تخلف فَلَمَّا قفل رَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا جَاءَهُ أَبُو لبَابَة يسلم عَلَيْهِ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَزعَ أَبُو لبَابَة فَارْتَبَطَ بِسَارِيَة التَّوْبَة الَّتِي عِنْد بَاب أم سَلمَة زوج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعا بَين يَوْم وَلَيْلَة فِي حر شَدِيد لَا يَأْكُل فِيهِنَّ وَلَا يشرب وَقَالَ لَا يزَال هَذَا مَكَاني حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا أَو يَتُوب الله عَلّي فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَا سمع لَهُ صَوت من الْجهد وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر إِلَيْهِ بكرَة وَعَشِيَّة ثمَّ تَابَ الله عَلَيْهِ فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُطْلِقَهُ فَأَبَى أَن يُطلقهُ إِلَّا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجَاء عَلَيْهِ السَّلَام فَأَطْلقهُ بِيَدِهِ فَقَالَ أَبُو لبَابَة يَا رَسُول الله إِنِّي أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب وَأَنْتَقِلَ إِلَيْك فأساكنك وَإِنِّي أَخْلَع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله تَعَالَى فَقَالَ: «يُجزئ عَنْك الثُّلُث» فَهجر أَبُو لبَابَة دَار قومه وَسَاكن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتصدق بِثلث مَاله ثمَّ تَابَ فَلم ير مِنْهُ بعد ذَلِك إِلَّا خير حَتَّى فَارق الدُّنْيَا انْتَهَى.
وَرَوَى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه فِي كتاب الْمَغَازِي فِي بَاب من تخلف فِي غَزْوَة تَبُوك ثَنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ أَبُو لبَابَة مِمَّن تخلف عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة تَبُوك فَربط نَفسه بِسَارِيَة ثمَّ قَالَ وَالله لَا أحل نَفسِي مِنْهَا وَلَا أَذُوق طَعَاما وَلَا شرابًا حَتَّى أَمُوت أَو يَتُوب الله عَلّي فَمَكثَ سَبْعَة أَيَّام لَا يَذُوق فِيهَا طَعَاما وَلَا شرابًا حَتَّى كَانَ يخر مغشيا عَلَيْهِ قَالَ ثمَّ تَابَ الله عَلَيْهِ فَقيل لَهُ قد تيب عَلَيْك يَا أَبَا لبَابَة فَقَالَ وَالله لَا أحل نَفسِي حَتَّى يكون رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُحِلنِي بِيَدِهِ فجَاء النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحله بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ يَا رَسُول الله إِن من تَوْبَتِي أَن أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب وَأَن أَنْخَلِع من مَالِي كُله صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله فَقَالَ: «يجْزِيك الثُّلُث يَا أَبَا لبَابَة» انْتَهَى.
وَعَن عبد الرَّزَّاق رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه.
وَذكره الثَّعْلَبِيّ من قَول الزُّهْرِيّ والكلبي بِلَفْظ الْكتاب سَوَاء وَسَنَده إِلَيْهِمَا فِي أول كِتَابه. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي حَدثنِي معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ أَبُو لبَابَة... بِلَفْظ عبد الرَّزَّاق.